Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
aznag said
Archives
21 avril 2007

إنا عرضنا الأمانة

أما بعد: فيقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقَـٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَـٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الأحزاب:72، 73].

إن حِملاً ثقيلاً وواجبًا كبيرا وأمرًا خطيرا عُرِض على الكون سمائه وأرضه وجباله، فوجلت من حمله، وأبت من القيام به، خوفاً من عذاب الله تعالى، وعُرضت هذه الأمانة على آدم عليه السلام، فحمَلها واستقلّ بها، إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً أي: الإنسان المفرّط المضيّع للأمانة هو الظلومُ الجهول، لا آدم عليه السلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الأمانة الفرائضُ، عرضها الله على السمواتِ والأرض والجبال، إن أدَّوْها أثابهم، وإن ضيّعوها عذبهم، فكرِهوا ذلك وأشفقوا منه من غير معصية لله، ولكن تعظيماً لدين الله تعالى)[1]، وقال الحسن البصري رحمه الله: "عرضها على السَّبع الطباق الطرائق التي زُيِّنت بالنجوم وحملةِ العرش العظيم، فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عُوقبتِ، قالت: لا، ثم عرَضها على الأرضين السبع الشداد التي شُدّت بالأوتاد وذُلِّلت بالمِهاد، قال: فقيل لها: هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت: وما فيها؟ قال: قيل لها: إن أحسنتِ جُزيتِ، وإن أسأتِ عوقبتِ، قالت: لا، ثمَّ عرضها على الجبال فأبت"[2].

الأمانة ـ يا عباد الله ـ هي التكاليفُ الشرعية، هي حقوقُ الله وحقوق العباد، فمن أدَّاها فله الثواب، ومن ضيَّعها فعليه العقاب، فقد روى أحمد والبيهقي وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (الصلاةُ أمانة، والوضوءُ أمانة، والوزن أمانةٌ، والكيل أمانة) وأشياء عدّدها، (وأشدُّ ذلك الودائع)[3]، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (والغسل من الجنابة أمانة)[4].

فمن اتَّصفَ بكمَال الأمانة فقد استكمَل الدينَ، ومن فقد صفةَ الأمانة فقد نبذ الدينَ، كما روى الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له))[5]، وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني من حديث أنَس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له))[6]، ولهذا كانت الأمانة صفةَ المرسلين والمقرَّبين وعباد الله الصالحين، قال تعالى عن نوح وهود وصالحٍ وغيرهم عليهم الصلاة والسلام: إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء:107، 108].

وكلَّما انتُقصت الأمانة نقصت شعبُ الإيمان لما روى مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله أن الأمانةَ نزلت في جذر قلوبِ الرجال ـ أي: في وسطها ـ، ثم نزلَ القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنَّة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ((ينام الرجل النومةَ، فتُقبَض الأمانة من قلبه، فيظلّ أثرها مثل الوَكت، ثم ينام الرجل، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء))، ثم أخذَ حصاةً فدحرجها على رجله، ((فيصبح الناس يتبايَعون، لا يكاد أحدٌ يؤدِّي الأمانة، حتى يقال: إنَّ في بني فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرَّجل: ما أظرفَه ما أعقله، وما في قلبه مثقالُ حبة من خردل من إيمان))[7]، والظاهر أنَّ الرجل إذا تعمّد تضييعَ الأمانة بالتساهل في الفرائض وواجبات الدّين وبالخيانة في حقوق العباد يعاقَب بعد ذلك بقبض الأمانة من قلبه، وينزَّه الله تعالى أن يقبِض الأمانة من قلب أحدٍ من غير سبب من العبد، ومن غير استخفافٍ منه بواجبات الدين وحقوق العباد، كما قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ [الصف:5]. وآخرُ الحديث يدل على أن الأمانةَ هي الإيمان، وهي الدين وواجباته. فالتوحيد وهو عبادة الله وعدمُ إشراكِ أحدٍ معه في العبادة أمانةٌ، والصلاة أمانة، والزكاة أمانة، والصيام أمانة، والحج أمانة، وصلة الرحم أمانة، والأمرُ بالمعروف أمانة، والنهيُ عن المنكر أمانة، والمال أمانة فلا تستعن به على المعصية، والعين أمانة فلا تنظر بها إلى ما حرّم الله، واليدُ أمانة، والفرج أمانةٌ، والبطن أمانة فلا تأكل ما لا يحلّ لك، والأولادُ عندك أمانة فلا تُضيّع تربيتَهم الصالحة، والزوجات عند الرجال أمانة فلا تُضيّع حقوقهن، وحقوق الأزواج على النساء أمانةٌ، وحقوق العباد الماديَة والمعنوية أمانة فلا تُنتقَص.

وقد وعد الله على أداء الأمانات والقيامِ بحقوقها أعظمَ الثواب فقال تعالى: وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ [المؤمنون:8-11]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال: ((اكفلوا بستٍّ أكفل لكم بالجنة))، قلت: ما هن يا رسول الله؟ قال: ((الصلاة والزكاةُ والأمانة والفرجُ والبطن واللسان)) رواه الطبراني[8]، قال المنذري: "بإسناد لا بأس به"[9]، وفي الحديث: ((أوَّلُ ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخرُ ما تفقِدون من دينكم الصلاةُ))[10].

والتفريطُ في الأمانات والتضييعُ لواجباتِ الدين يورثُ الخللَ والفسادَ في أحوال الناس، ويُحيل الحياة مرّةَ المذاق، ويقطَع أواصرَ المجتمع، ويعرّض المصالح الخاصة والعامة للخطر والهدر، ويُفسد المفاهيمَ والموازين، ويؤذِن بخرابِ الكون، قال وقد سُئل: متى الساعة؟ قال: ((إذا ضُيِّعتِ الأمانة فانتظر الساعة))[11].

فاتقوا الله عبادَ الله، وحافظوا على الأماناتِ والواجبات، واحذروا المحرَّمات، قال الله تعالى: وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَـٰدٰتِهِم قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَـئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ [المعارج:32-35].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه من الغفور الرحيم.



[1] أخرجه ابن جرير في تفسيره (22/54) من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وانظر: تفسير القرطبي (14/255)، وتفسير ابن كثير (3/523).

[2] أخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (3/523).

[3] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5266)، وقال المنذري في الترغيب (2/358): "رواه غيره مرفوعا، والموقوف أشبه"، وقال في موضع آخر (4/4): "ذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب الزهد أنه سأل أباه عنه فقال: إسناده جيد"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1763، 2995).

[4] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (14/254).

[5] جزء من حديث أخرجه الطبراني في الأوسط (2292) وفي الصغير (162) وقال: "لم يروه عن عبيد الله إلا مندل، ولا عنه إلا حسن، تفرد به الحسين بن الحكم"، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (302).

[6] أخرجه أحمد (3/135)، والطبراني في الأوسط (2606)، وهو أيضا عند أبي يعلى (2863)، وصححه ابن حبان (194)، وقال الهيثمي في المجمع (1/96): "فيه أبو هلال، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره"، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (3004).

[7] أخرجه مسلم في الإيمان (143)، وهو أيضا عند البخاري في الفتن (7086).

[8] أخرجه الطبراني في الأوسط (4925، 8599)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2899).

[9] قال في الترغيب والترهيب (1/300): "رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به، وله شواهد كثيرة".

[10] أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (216، 217)، والضياء في المختارة (1583) من حديث أنس رضي الله عنه. وأخرجه الطبراني في الكبير (7/295) من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه وليس فيه ذكر الصلاة، قال الهيثمي في المجمع (4/145): "فيه المهلب بن العلاء ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات". وجاء موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه، أخرجه ابن أبي شيبة (7/256، 260، 505)، وسعيد بن منصور (97)، والطبراني (9/141، 311، 353)، والبيهقي في الشعب (2027، 5273) وغيرهم، وصححه الحاكم (2538)، وقال الهيثمي في المجمع (7/330): "رجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة". وانظر تخريج الحديث في السلسلة الصحيحة (1739).

[11] أخرجه البخاري في العلم (59) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والعزّةِ التي لا تُضام، أحمد ربي وأشكره على آلائه العِظام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله حقَّ تقواه، وأطيعوه بفعل ما أمَر واجتناب ما نهى عنه وزَجر، تفوزوا بجنته ورضاه.

قال الله تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً [النساء:58]، وهذه الآية المباركة عمّت جميعَ الأماناتِ.

ومن أعظم الأمانات الوظائفُ والأعمال والمناصبُ وحقوقها، فمن أدَّى ما يجب لله تعالى عليه فيها وحقَّق بها مصالحَ المسلمين التي أنيطَت بها والتي وُجدت لأجلها فقد نصح لنفسِه، وعمل خيراً لآخرته، ومن قصّرَ في واجباتِ وحقوق الوظائف والمناصب ولم يؤدِّ ما أُنيط بها من منافع العباد أو أخذَ بها رشوةً أو اختلس بها مالاً للمسلمين فقد غشّ نفسَه وقدّم لها زادا يرديها، وغدر بنفسه وظلمها، وفي صحيح مسلم أن رسول الله قال: ((إذا جمعَ الله الأوَّلين والآخرين يوم القيامة يُرفَع لكل غادر لواء ويقال: هذه غَدرة فلان بن فلان))[1].

ومن أعظَم الأمانات الودائعُ والحقوق التي أمنك الناس عليها، فقد روى أحمد والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (القتلُ في سبيل الله يكفّر الذنوبَ كلّها إلا الأمانة)، قال: (يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربِّ، كيف وقد ذهبتِ الدنيا؟! فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنطلَق به إلى الهاوية، وتُمثّل له الأمانة كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظنَّ أنه خارج اخْلولت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبدَ الآبدين)[2]، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي قال: ((أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنك، ولا تخُن من خانك))[3]، وفي الحديث الآخر عن النبي : ((يُنصَب الصراط على متن جهنَّم، ويكون على جنبتيه ـ أي: في جانبيه ـ الأمانة والرحم))[4]، فمن ضيَّع الأمانةَ أو ضيَّع صلةَ الرحم فإنهما لا يتركانِه يجوز الصراط.

عباد الله، إن الله أمركم بالصلاة والسلام على مصطفاه من خلقه وخليله من عباده نبينا وسيدنا محمد فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد...


[1] أخرجه مسلم في الجهاد (1735) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو عند البخاري أيضا في (6177، 6178).

[2] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5266)، وقال المنذري في الترغيب (2/358): "رواه غيره مرفوعا، والموقوف أشبه"، وقال في موضع آخر (4/4): "ذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب الزهد أنه سأل أباه عنه فقال إسناده جيد"، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1763، 2995).

[3] أخرجه أبو داود في البيوع (3535)، والترمذي في البيوع (1264)، والدارمي في البيوع (2597) من حديث أبي هريرة رضي الله  عنه، قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه الحاكم (2296)، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة (423).

[4] أخرج مسلم في (195) عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما في حديث الشفاعة الطويل، وفيه: ((فيأتون محمدا ، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا، فيمر أولكم كالبرق...)).

Publicité
Commentaires
Publicité
Publicité